فصل: ومن باب جماع أبواب ما يصلى فيه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الإمام يصلي من قعود:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع عنه فجُحِش شقهُ الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد وصلينا وراءه قعودًا فلما انصرف قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائمًا فصلوا قياما وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين».
قلت: وذكر أبو داود هذا الحديث من رواية جابر وأبي هريرة وعائشة ولم يذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر ما صلاها بالناس وهو قاعد والناس خلفه قيام وهذا آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم.
ومن عادة أبي داود فيما أنشأه من أبواب هذا الكتاب أن يذكر الحديث في بابه ويذكر الذي يعارضه في باب آخر على أثره ولم أجده في شيء من النسخ فلست أدري كيف أغفل ذكر هذه القصة وهي من أمهات السنن وإليه ذهب أكثر الفقهاء ونحن نذكره لتحصل فائدته وتحفظ على الكتاب رسمه وعادته.
حدثنا محمد بن الحسن بن سعيد الزعفراني حدثنا يحيى بن أبي طالب حدثنا علي بن عاصم أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت: «ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإثنين فلما ناداه بلال صلاة الغداة قال قولوا له فليقل لأبي بكر فليصل بالناس قال فرجع إلى أبي بكر فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فتقدم أبو بكر فصلى بالناس وكان أبو بكر إذا صلى لا يرفع رأسه ولا يلتفت فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة فخرج يهادي بين رجلين أسامة ورجل آخر فلما رآه الناس تفرجت الصفوف لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعلم أبو بكر أنه لا يتقدمُ ذلك المتقدم أحد فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقامه في مقامه وجعله عن يمينه وقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر بالناس فجعل أبو بكر يكبر بتكبيره وجعل الناس يكبرون بتكبير أبي بكر».
قلت: وفي إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر عن يمينه وهو مقام المأموم، وفي تكبيره بالناس وتكبير أبي بكر بتكبيره بيان واضح أن الإمام في هذه الصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى قاعدًا والناس من خلفه وهي آخر صلاة صلاها بالناس فدل أن حديث أنس وجابر منسوخ. ويزيد ما قلناه وضوحا ما رواه أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: «لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على يسار أبى بكر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائمًا يقتدي به والناس يقتدون بأبي بكر». حدثونا به عن يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية. والقياس يشهد لهذا القول لأن الإمام لا يسقط عن القوم شيئا من أركان الصلاة مع القدرة عليه ألا ترى أنه لا يحيل الركوع والسجود إلى الإيماء فكذلك لا يحيل القيام إلى القعود. وإلى هذا ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي والشافعي وأبو ثور. وقال مالك لا ينبغي لأحد أن يؤم بالناس قاعدًا وذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ونفر من أهل الحديث إلى خبر أنس وأن الإمام إذا صلى قاعدًا صلى من خلفه قعودا.
وزعم بعض أهل الحديث أن الروايات اختلفت في هذا فروى الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إماما وروى سفيان عنها أن الإمام أبو بكر فلم يجز أن يترك له حديث أنس وجابر. ويشبه أن يكون أبو داود إنما ترك ذكره لأجل هذه العلة.
وفي الحديث من الفقه أنه تجوز الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر من غير حدث يحدث بالإمام الأول.
وفيه دليل على جواز تقدم بعض صلاة المأموم صلاة الإمام. وقوله: «فجحش شقه» معناه أنه انسحج جلده والجحش كالخدش أو أكثر من ذلك.

.ومن باب في الرجلين يؤم أحدهما صاحبه:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال: «بت في بيت خالتي ميمونة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق القِربة فتوضأ ثم أوكى القربة ثم قام إلى الصلاة فقمت فتوضأت كما توضأ ثم جئت فقمت عن يساره فأخذني بيمينه فأدارني وراءه فأقامني عن يمينه فصليت معه».
قلت: فيه أنواع من الفقه منها أن الصلاة بالجماعة في النوافل. ومنها أن الاثنين جماعة. ومنها أن المأموم يقوم عن يمين الإمام إذا كانا اثنين. ومنها جواز العمل اليسير في الصلاة ومنها جواز الإتمام بصلاة من لم ينو الإمامة فيها.

.ومن باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون:

قال أبو داود: حدثني القعنبي أراه عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس «أن جدته مليكة دعت النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه ثم قال قوموا فلأصلي لكم. قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين».
قلت: فيه من الفقه جواز صلاة الجماعة في التطوع وفيه جواز صلاة المنفرد خلف الصف لأن المرأة قامت وحدها من ورائهما.
وفيه دليل على أن إمامة المرأة للرجال غير جائزة لأنها لما زحمت عن مساواتهم في مقام الصف كانت من أن تتقدمهم أبعد.
وفيه دليل على وجوب ترتيب مواقف المأمومين وأن الأفضل يتقدم على من دونه في الفضل. وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: «ليليني ذوو الأحلام والنهى». وعلى هذا القياس إذا صلى على جماعة من الموتى فيهم رجال ونساء وصبيان وخناثى فإن الأفضل منهم يكون الإمام فيكون الرجل أقربهم منه ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة فإن دفنوا في قبر واحد كان أفضلهم أقربهم إلى القبلة ثم يليه الذي هو أفضل وتكون المرأة آخرهم إلاّ أنه يكون بينها وبين الرجل حجاب من لبن ونحوه.

.ومن باب الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع وبكر بن سوادة عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الإمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته ومن كان خلفه ممن أتم الصلاة».
قلت: هذا الحديث ضعيف وقد تكلم الناس في بعض نقلته وقد عارضته الأحاديث التي فيها إيجاب التشهد والتسليم ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال بظاهره لأن أصحاب الرأي لا يرون أن صلاته قد تمت بنفس القعود حتى يكون ذاك بقدر التشهد على ما رووا عن ابن مسعود. ثم لم يقودوا قولهم في ذلك لأنهم قالوا إذا طلعت عليه الشمس أو كان متيمما فرأى الماء وقد قعد مقدار التشهد قبل أن يسلم فقد فسدت صلاته. وقالوا فيمن قهقه بعد الجلوس قدر التشهد أن ذاك لا يفسد صلاته ويتوضأ؛ ومن مذهبهم أن القهقهة لا تنقض الوضوء إلاّ أن تكون في صلاة والأمر في اختلاف هذه الأقاويل ومخالفتها الحديث بين.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم».
قلت: في هذا الحديث بيان أن التسليم ركن الصلاة كما أن التكبير ركن لها وأن التحليل منها إنما يكون بالتسليم دون الحدث والكلام لأنه قد عرفه بالألف واللام وعيَّنه كما عيَّن الطهور وعرفه فكان ذلك منصرفا إلى ما جاءت به الشريعة من الطهارة المعروفة والتعريف بالألف واللام مع الإضافة يوجب التخصيص كقولك فلان مبيته المساجد تريد أنه لا مبيت له يأوي إليه غيرها.
وفيه دليل أن افتتاح الصلاة لا يكون إلاّ بالتكبير دون غيره من الأذكار.

.ومن باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان حدثنا محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تبادروني بركوع ولا سجود فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت إني قد بَدُنت».
قوله: «تدركوني به إذا رفعت» يريد أنه لا يضركم رفع رأس وقد بقي عليكم شيء منه إذا أدركتموني قائمًا قبل أن اسجد وكان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع يدعو بكلام فيه طول. وقوله: «إني قد بدنت» يروى على وجهين أحدهما بدنت بتشديد الدال ومعناه كبر السن يقال بدن الرجل تبدينا إذا أسن والآخر بدُنت مضمومة الدال غير مشدودة ومعناه زيادة الجسم واحتمال اللحم. وروت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طعن في السن احتمل بدنه اللحم. وكل واحد من كبر السن واحتمال اللحم يثقل البدن ويثبط عن الحركة.

.ومن باب التشديد فيمن يرفع رأسه:

قبل الإمام أو يضع قبله.
قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن محمد بن زياد، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما يخشى أو لا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه والإمام ساجد أن يحول الله رأسه رأس حمار أو صورته صورة حمار».
قلت: واختلف الناس فيمن فعل ذلك فروي عن ابن عمر أنه قال لا صلاة لمن فعل ذلك. وأما عامة أهل العلم فإنهم قالوا قد أساء وصلاته مجزية غير أن أكثرهم يأمرونه بأن يعود إلى السجود، وقال بعضهم يمكث في سجوده بعد أن يرفع الإمام رأسه بقدر ما كان ترك منه.

.ومن باب جماع أبواب ما يصلى فيه:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن المسيب، عَن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في ثوب واحد فقال أو لكلكم ثوبان».
قوله: «أولكلكم ثوبان» لفظه لفظ استفهام ومعناه الإخبار عما كان يعلم من حالهم من العدم وضيق الثياب يقول فإذا كنتم بهذه الصفة وليس لكل واحد منكم ثوبان والصلاة واجبة عليكم فاعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان، عَن أبي الزناد عن الأعرج، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبه منه شيء».
يريد أنه لا يتزر به في وسطه ويشد طرفيه على حقويه ولكن يتزر به ويرفع طرفيه فيخالف بينهما ويشده على عاتقه فيكون بمنزلة الإزار والرداء.
وهذا إذا كان الثوب واسعا فإذا كان ضيقا شده على حقويه؛ وقد جاء ذلك في حديث جابر الذي نذكره في الباب الذي يلي هذا الباب.

.ومن باب في الثوب إذا كان ضيقا:

قال أبو داود: حدثنا هشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ويحيى بن الفضل السجستاني وهذا لفظ يحيى قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة قال: «أتينا جابر بن عبد الله قال سرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فقام يصلي وكانت عليّ بردة فذهبت أخالف بين طرفيها فلم تبلغ لي وكانت لها ذباذب فنكستها ثم خالفت بين طرفيها ثم تواقصت عليها لا تسقط وذكر صلاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا جابر إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك».
ذباذب الثوب أهدابه وسمي ذباذب لتذبذبها. وقوله تواقصت عليها معناه أنه ثنى عنقه ليمسك الثوب به كأنه يحكي خلقة الأوقص من الناس.
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن إلاّ ثوب فليتزر ولا يشتمل اشتمال اليهود».
قلت: اشتمال اليهود المنهي عنه هو أن يجلل بدنه الثوب ويسبله من غير أن يشيل طرفه، فأما اشتمال الصماء الذي جاء في الحديث فهو أن يجلل بدنه الثوب ثم يرفع طرفيه على عاتقه الأيسر، هكذا يفسر في الحديث.

.ومن باب السدل في الصلاة:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء وإبراهيم بن موسى عن ابن المبارك عن الحسن بن ذكوان عن سليمان الأحول عن عطاء قال إبراهيم، عَن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه».
السدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض، وقد رخص بعض العلماء في السدل في الصلاة.
روي ذلك عن عطاء ومكحول والزهري والحسن وابن سيرين. وقال مالك لا بأس به ويشبه أن يكونوا إنما فرقوا بين إجازة السدل في الصلاة وبينه في غير الصلاة لأن المصلي ثابت في مكانه لا يمشي في الثوب الذي عليه. فأما غير المصلي فإنه يمشي فيه ويسدل وذلك من الخيلاء المنهي عنه وكان سفيان الثوري يكره السدل في الصلاة وكان الشافعي يكرهه في الصلاة وفي غير الصلاة.
وقوله: «وأن يغطي الرجل فاه» فإن من عادة العرب التلثم بالعمائم على الأفواه فنهوا عن ذلك في الصلاة إلاّ أن يعرض للمصلي التثاؤب فيغطي فمه عند ذلك للحديث الذي جاء فيه.